هشام محمد / Aug 12, 2008

نجحت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحقيق نصر مدوي يضاف بفخر إلى سجلها الذهبي الحافل والمشرف، وذلك بانتزاع قرار حكومي رسمي وموقع من نائب أمير منطقة الرياض الأمير سطام بن عبدالعزيز، يقضي بمنع محلات الحيوانات من بيع القطط والكلاب.  ولقد استندت الهيئة - جزاها الله كل خير- في مساعيها النبيلة على فتوى أصدرتها هيئة كبار العلماء (والمقصود بالعلماء هنا هم رجال الدين وليس المشتغلين بالعلوم الطبيعية فقط منعاً للخلط والالتباس) تحرم اقتناء القطط أو الكلاب لأغراض الزينة.  أما لماذا حرصت الهيئة الموقرة على منع بيع الكلاب والقطط فهذا مرده انتشار ظاهرة اصحاب بعض الشباب للقطط والكلاب لمعاكسة الفتيات ومضايقة العائلات.  وهكذا منّ الله وبفضله على رجاله من أهل الحسبة، الذين هم عينه التي لا تخون، وعصاه التي لا تعصاه، بنصر مبين وفتح عظيم في "غزوة القطط والكلاب" وبجرة قلم دون إراقة قطرة دم قطة أو كلب.

 

هذا القرار المتوقع تفعيله قريباً جداً سيكبد أصحاب المحلات والعيادات البيطرية خسائر مالية باهضة، قدّرها البعض بحوالي 100 مليون ريال سعودي (الدولار = 3.75 ريال).  هل هناك من سيحتج على هذا القرار القاسي؟ بالطبع لا.  هل هناك تكتل مرتقب من قبل المتضررين ضد هذا القرار؟ بالطبع لا.  لا تنسى...فنحن نعيش في مجتمع مدجن، يساق بالعصا، ويدار بالفتوى.  ولو فكرّ أحد الملاّك، مجرد تفكير، بالامتناع عن التنفيذ أو حتى الاحتجاج السلمي فلربما انتابه صداع ومغص لأنه سيقف في وجه الحكومة والمؤسسة الدينية معاً، ولم نسمع يوماً ما أن برغوثاً قد أوقف فيلاً.  يقال عض قلبي ولا تعض رغيفي.  أما هنا فيقال عض قلبي وإن شئت عض رغيفي، المهم أن أعيش ولو كنت ضلاً باهتاً ملتصقاً بالحائط.  عموماً، لن اتصور أقصى درجات الاحتجاج لأصحاب المحلات ستتجاوز مسافة أبعد من: حسبنا الله ونعم الوكيل!

  

هكذا نحن...عندما نشاهد مدخراتنا المالية وحصاد سنوات الشقاء والتعب تتحول إلى رماد في محرقة سوق الأسهم، نرفع أيدينا إلى السماء التي لم نعد نتبين لونها لشدة الغبار، مرددين بحرقة: حسبنا الله ونعم الوكيل.  وعندما نرى نار الغلاء تسري بجنون في أسعار السلع والخدمات، وتلتهم ما تبقى في جيوبنا من نقود، نرفع أيدينا إلى السماء وفي القلب غصة: حسبنا الله ونعم الوكيل.  ولكن عندما يرسم كهل في بلاد الصقيع رسماً يستهزيء فيه من رسول الله، أو يدنس سجان لا يعرف اسمه في سجن غوانتينامو أو صيدنايا كلام الله، أو يغمز كاتب مجهول في بلاد الواق الواق أم المؤمنين عائشة الحميراء، فاجسادنا وأولادنا وأموالنا يا سيدي الكريم حطب جاهز لنار الحرب المقدسة.

   

وكأي قرار رسمي انقسم الناس إلى ثلاث فئات: مؤيد، ورافض، وبين بين.  أولئك الواقفون دوماً في المنتصف أو عشاق الوسطية، قالوا: "لا بأس أن تمنع الكلاب لأنها نجسة حسب الحديث النبوي، إلا إذا كانت كلاب صيد أو حراسة.  أما القطط فنستغرب منعها، ومعروف أن الصحابي الجليل عبدالرحمن بن صخر الدوسي لقب بأبي هريرة لهرة صغيرة كان يحملها معه، ولو كان هناك من ضرر لنهاه النبي حتماً". 

شخصياً، أفهم وجود مناصرين للهيئة في كل ما تفعل للتجانس التام بين الطرفين فكراً وخلقاً وزياًً.  غير أن ما يثير استغرابي أن هؤلاء الوسطيين حينما كنسوا بعض الغبار من على عقولهم، وعزموا على أن يعملوا المنطق، غطسّوا أيديهم في كتب التراث يغرفون منها الأدلة والبراهين العقلية والشرعية.  إنها مسألة منهج عقلي أكثر مما هي مسألة كلب وقطة عندي.  وإذا كنا سنقلب في صفحات الماضي بحثاً عن المسوغات الشرعية، فغداً سوف نقبل بتحريم الهيئة لبيع اللعب والدمى مثل الدببة، والتي يصطحبها بعض الشباب أيضاً للفت الانتباه، بحجة أن الحديث النبوي يحرم ويتوعد من يتشبه بخلق الله.  وليس ببعيد أن نتقبل ولو على مضض تحريم الهيئة لبيع أجهزة الهاتف النقال، والتي يستخدمها الشباب في معاكسة البنات بحجة أن الحديث النبوي لم يتضمن إشارة لهذه المنتجات المصنعة في بلاد الكفر.

 

لن اخوض هنا في حجية الأحاديث وتناقضاتها الصارخة، والتي لا تنتهي سواء مع القرآن أو مع العلم أو مع الأخلاق أو مع الذوق أو حتى مع أحاديث نبوية أخرى.  ولكن دعني أعطيك بعض الأمثلة على وجود إشكالات خطيرة تحاصر التراث النبوي، وتكاد تنسفه من الداخل، ربما لا تخطر على بال من نقش على جدار ذاكرته منذ الصغر أن صحيح البخاري هو أصح الكتب وأصدقها على وجه الأرض بعد القرآن!  ومن أراد مزيداً من الاطلاع وتحري المخفى من التفاصيل، فعليه بقراءة كتاب ابراهيم فوزي "تدوين الحديث".

 

خذ مثلاً: جاء في البخاري ومسلم الحديث التالي: "إذا التقى مسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قيل يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه". يوقد فوزي السؤال التالي: هل نستنتج من هذا الحديث أن أصحاب معركة الجمل وعلى رأسهم علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام سيلقون في النار؟ لكن ألا يتعارض هذا الحديث – والكلام للباحث- مع حديث العشرة المبشرين في الجنة، ومنهم الثلاثة المذكورين؟  كما يلقي الباحث بعض الضوء على النقاشات التي دارت في الندوة العلمية حول منزلة السنة النبوية من القرآن والتي عقدت في طرابلس الليبية عام 1978، وفيها تحدث الرئيس معمر القذافي عن التناقضات في صحيح البخاري، مستشهداً بعدد من الأحاديث منها: (خذوا دينكم من عائشة) وفي حديث آخر: (عائشة ناقصة عقل ودين). يقترح الرئيس القذافي أن الحديث الأول روجه أنصار عائشة، أما الحديث الآخر فوضعه شيعة علي أثناء معركة الجمل.  أي من الحديثين تصدق؟  الخيار لك عزيزي القاريء.  وهناك ايضاً أحاديث "صحيحة" تتناول بالتفسير "العلمي" لظواهر فلكية تدغدغ الفضول البشري منذ الأزل كتعاقب فصول السنة، وظواهر البرق والرعد والشهب، وعلاقة الشمس بالأرض، لم يعد لها مكان في هذا الزمان لتناقضاتها الصارخة مع بديهيات العلم وفتوحات العقل.

 

وإذا كنّا ضمناً نتحرج من بث هذا النوع من الأحاديث لمخالفته الصريحة للعقل، فلماذا نتحصن بالحديث النبوي ضد الكلاب المسكينة؟  ثم أني استغرب أن الحديث ينهى عن تربية الكلاب في البيوت بحجة نجاستها، بينما يقبل بوجودها إذا تم اقتناؤها لأغراض الصيد والحراسة.  كيف ببساطة تسقط نجاسة الكلب بمجرد تبديل وظيفته؟!  هل الحاجة الماسة للكلب للقيام بأدوار الحراسة أو الصيد تزيل ما التصق به من تهمة النجاسة؟!  أكاد اشم رائحة الاستغلال والانتهازية.  عموماً، لا يبدو لي أن الإسلام، وهو يمتح من الأفكار والرؤى والخيالات التي كانت تعج بها الديانة الزرادشتية مثل الاسراء والمعراج، وصور الجنة والنار، ومشاهد الحساب الأخروي، والمرور فوق الصراط المستقيم، قد استعار شيئاً من حنو الزرادشتية على الكلاب بالذات دون باقي الحيوانات الأخرى.  وليكن الله وحده في عون الكلاب في بلاد المسلمين!

 

وإذا تركنا الكلاب وشأنها، فما بال القطط؟  حسب ما قرأت وسمعت فإن تربية القطط في البيوت تتسبب في أمراض تصيب الإنسان مثل العقم، والدرن، وقرحة المعدة والأثنى عشر والنزلات المعوية وغيرها من الأمراض.  مشكلة الحديث النبوي أنه لم يكن على علم مسبق بآخر نتائج البحوث العلمية والدراسات المختبرية، وربما لو علم النبي يومها بذلك لألحق القطط بالكلاب، وهذا من حسن طالع القطط على أي حال. وعلى فكرة، لا يبدو أن هريرة الصحابي الجليل - صاحب الرقم القياسي في رواية الحديث (5,374 حديث) رغم مصاحبته للنبي مدة عامين فقط – قد شفعت لأحفادها من بعد بالنجاة من هذا المصير الحالك.  وبدوري أحيل تساؤلات الوسطيين الحائرة إلى رجال الهيئة الموقرة...لماذا لم ترفقوا بالقطط التي أحبها الصحابي الكريم أبي هريرة ولقب من أجلها؟

 

وبعيداً عن القطط والكلاب، بقيت لي كلمة أخيرة أود أن اوجهها إلى جواهرنا المكنونة ودررنا المصونة من النساء: لا تعتقدن أنكن مواطنات من الدرجة الثالثة لا قيمة ولا أهمية لكنّ، كما يدعي ويروج له زوراً وبهتاناً أذناب بني علمان ومرتزقو السفارات الأجنبية.  أليس من أجلكن صارت حدود الوطن أسوار سجن رهيب؟  أليس من أجلكن صارت رقعة الوطن حقلاً من الفتاوى والتحريم؟  أليس من أجلكن جلب الأغراب من بلاد الهند والبنغال لتنعمن بالمقعد الخلفي الوثير؟  أليس من أجلكن تصادر الورود الحمراء ويطارد كل ما هو أحمر في أعياد الحب؟  وأليس الآن من أجلكن سيكتب على القطط والكلاب الرحيل؟  فيا أيتها النساء لا تكثرن اللعن، ولا تكفرن العشير، ولا تجحدن الإحسان.  فلا عجب أنكن أكثر أهل النار كما يروى عن النبي محمد.  وبالمناسبة، ليس صحيحاً أن نابليون بونابرت هو من قال: فتش عن المرأة.  هذا الرجل كان مشغولاً بحروبه ومنكباً على بناء امبراطوريته.  اعتقد أن من قالها هو في الأصل شيخ وهابي من بلاد نجد تلهمه المرأة تحرير فتاواه كما تلهم الشاعر كتابة قصائده.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط